في أسباب العزوف عن المطالعة




لعل أهم المشاكل التي يعاني مجتمعنا من مخلفاتها التي لا تعد ولا تحصى، العزوف عن القراءة. كيف لا والقراءة هي أساس تقدم المجتمعات فكريا وسياسيا وبالتالي اجتماعيا واقتصاديا!. لأن مشكلة مجتمعاتنا الأساسية هي، كما اعتقد المفكر المعروف (مالك بن نبي)، مشكلة الأفكار. نعم إن نقصان الأفكار وضعفها لهو أهم عقبة أمام تقدمنا. إن الدول القوية اليوم تتنافس حول من سيمتلك أفضل وأقوى الأفكار. فكيف سندخل نحن غمار المنافسة دون أن نقرأ؟! هل ننتظر أن تأتينا الأفكار وحيا من السماء؟!
إن إنسانا يقرأ هو إنسان يلتقط الأفكار التي بها يكون شخصيته ويربيها ويفتح بها عقله حتى يصقل ملكة الإبداع والابتكار لديه وهكذا يصير فردا ناجحا داخل مجتمع مليئ بناجحين مثله سلوكا أولا ثم معرفة وابتكارا... إن القراءة مدرسة ناجحة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
لكن دعنا نتساءل: ماهي أسباب عزوف الناس عن القراءة؟ الأمية أحد هذه الأسباب؛ الأمي لا يقرأ هذا لا نقاش فيه. إذن فلنحارب الأمية. والفقر أيضا سبب. الفقير لا يقرأ. الفقير تشغله بطنه عن القراءة، إذ كيف لبطن جائعة أن تقرأ؟! إن الفقير يبحث عن الأساسيات لعيشه وعيش أبناءه، والقراءة يعتبرها نوعا من الكماليات فقط، وهذا من حقه. إذن فلنحارب الفقر.
والبطالة سبب. العاطل عن العمل لا يفكر في القراءة، يفكر في البحث عن عمل، وإن قرأ فلا يتعدى مقروؤه سطرين في جريدة. وحتى الطالب، الذي يمارس مهنة القراءة، لا يقرأ إلا ما يزوده به الأستاذ من مطبوعات يكتفي بها من أجل اجتياز الامتحان وبعده ينسى كل شيء. ولا يملك من المال ما يكفي لشراء الكتب ولا يملك الوقت (كما يظن) ليذهب للخزانة.. إذن فلنحارب العطالة والبطالة ولنغير أسلوب التدريس التقليدي. ونقص التحبيب سبب أيضا. ثقافة القراءة لا نرسخها في الشخص بأن نطلب منه قراءة الكتب وننتظر استجابته، فهو وإن استجاب، فلن تطول استجابته طويلا. بل بتحبيبها إليه، ولنتفنن في ذلك طرقا مختلفة. فالشخص إن دخل عالم القراءة عن حب سيدوم حبه لها، أما إن دخله إجبارا أو طلبا فلن يتمم قراءة كتاب واحد، هذا إن حمله بين يديه.
كل هذه أسباب واردة لكنها متفرعة، نريد أن نبحث عن الأصل. فما هو أصل مشكلة العزوف عن القراءة في مجتمعاتنا؟
إنها الأسرة بكل تأكيد. إن طفلا نشأ بين الكتب والدفاتر المسلية، ينام وبين يديه كتاب ممتع يحوي مختلف الصور الجميلة والمسلية، أو ينام على صوت أمه أو أبيه يحكيان له قصة، ليس بطبيعة الحال كطفل ليس له مما ذكر نصيب! هل يستويان مثلا؟ أبدا فالأول سينشأ على حب القراءة ومطالعة شتى الكتب عكس الثاني الذي لن يناله من حظ المطالعة شيء ففاقد الشيء لا يعطيه إلا من رحم ربي. وقالوا قديما التعلم في الصغر كالنقش على الحجر. وما نقش في الطفل يترسخ أبد الآبدين، فلنحبب لأطفالنا القراءة، وليشربوها في حليب أمهاتهم، وهذا دور الحكومة وجميع الفاعلين لتوعية الآباء بهذا الأمر لعلنا نصبح مجتمعا قارئا يوما.


تابع القراءة...